فصل: أبواب المواقيت

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار **


 باب حجة من لم يكفَّر تارك الصلاة ولم يقطع عليه بخلود في النار ورَجا له ما يُرجى لأهل الكبائر

1 - عن ابن محيريز‏:‏ ‏(‏أن رجلًا من بني كنانة يدعى المخدجي سمع رجلًا بالشام يدعى أبا محمد يقول‏:‏ إن الوتر واجب قال المخدجي‏:‏ فرحت إلى عبادة بن الصامت فأخبرته فقال عبادة‏:‏ كذب أبو محمد سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يقول‏:‏ خمس صلوات كتبهن اللَّه على العباد من أتى بهن لم يضيع منهن شيئًا استخفافًا بحقهن كان له عند اللَّه عهد أن يدخله الجنة ومن لم يأت بهن فليس له عند اللَّه عهد إن شاء عذبه وإن شاء غفر له‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه وقال فيه‏:‏ ‏(‏ومن جاء بهن قد انتقص منهن شيئًا استخفافًا بحقهن‏)‏‏.‏

الحديث أخرجه أيضًا مالك في الموطأ وابن حبان وابن السكن‏.‏ قال ابن عبد البر‏:‏ هو صحيح ثابت لم يختلف عن مالك فيه ثم قال‏:‏ والمخدجي مجهول لا يعرف إلا بهذا الحديث‏.‏

قال الشيخ تقي الدين القشيري‏:‏ انظر إلى تصحيحه لحديثه مع حكمه بأنه مجهول وقد ذكره ابن حبان في الثقات ولحديثه شاهد من حديث أبي قتادة عند ابن ماجه ومن حديث كعب بن عجرة عند أحمد‏.‏

ورواه أبو داود الصنابحي قال‏:‏ زعم أبو محمد أن الوتر واجب فقال عبادة بن الصامت وساق الحديث‏.‏ والمخدجي المذكور في هذا الإسناد هو بضم الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح الدال المهملة ثم جيم بعدها ياء النسب قيل اسمه رفيع‏.‏

وأبو محمد المذكور هو مسعود بن أوس بن زيد بن أصرم بن زيد بن ثعلبة بن عثمان بن مالك بن النجار وقيل مسعود بن زيد بن سبيع يعد في الشاميين وقد عده الواقدي وطائفة من البدريين ولم يذكره ابن إسحاق فيهم وذكره جماعة في الصحابة‏.‏

وقول عبادة كذب أبو محمد أي أخطأ ولا يجوز أن يراد به حقيقة الكذب لأنه في الفتوى ولا يقال لمن أخطأ في فتواه كذب‏.‏ وأيضًا قد ورد في الحديث ما يشهد لما قاله كحديث ‏(‏الوتر حق فمن لم يوتر فليس منا‏)‏ عند أبي داود من حديث بريدة وغيره من الأحاديث وسيأتي بسط الكلام على ذلك في باب أن الوتر سنة مؤكدة إن شاء اللَّه تعالى‏.‏

والحديث ساقه المصنف للاستدلال به على عدم كفر من ترك الصلاة وعدم استحقاقه للخلود في النار لقوله ‏(‏إن شاء عذبه وإن شاء غفر له‏)‏ وقد عرفناك في الباب الأول أن الكفر أنواع منها ما لا ينافي المغفرة ككفر أهل القبلة ببعض الذنوب التي سماها الشارع كفرًا وهو يدل على عدم استحقاق كل تارك للصلاة للتخليد في النار‏.‏

قوله ‏(‏استخفافًا بحقهن‏)‏ هو قيد للمنفي لا للنفي‏.‏

قوله ‏(‏كان له عند اللَّه عهد أن يدخله الجنة‏)‏ فيه متمسك للمرجئة القائلين بأن الذنوب لا تضر من حافظ على الصلوات المكتوبة وهو مقيد بعدم المانع كأحاديث ‏(‏من قال لا إله إلا اللَّه‏)‏ ونحوها لورود النصوص الصريحة كتابًا وسنة بذكر ذنوب موجبة للعذاب كدم المسلم وماله وعرضه وغير ذلك مما يكثر تعداده‏.‏

2 - وعن أبي هريرة قال‏:‏ ‏(‏سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يقول‏:‏ إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة المكتوبة فإن أتمها وإلا قيل انظروا هل له من تطوع فإن كان له تطوع أكملت الفريضة من تطوعه ثم يفعل بسائر الأعمال المفروضة مثل ذلك‏)‏‏.‏

رواه الخمسة‏.‏

الحديث أخرجه أبو داود من ثلاث طرق طريقتين متصلتين بأبي هريرة والطريق الثالثة بتميم الداري وكلها لا مطعن فيها ولم يتكلم عليه هو ولا المنذري بما يوجب ضعفه وأخرجه النسائي من طريق إسنادها جيد ورجالها رجال الصحيح كما قال العراقي وصححها ابن القطان‏.‏ وأخرج الحديث الحاكم في المستدرك وقال‏:‏ هذا صحيح الإسناد ولم يخرجاه‏.‏

وفي الباب عن تميم الداري عند أبي داود وابن ماجه بنحو حديث أبي هريرة قال العراقي‏:‏ وإسناده صحيح وأخرجه الحاكم في المستدرك وقال‏:‏ إسناده صحيح على شرط مسلم‏.‏ وعن أنس عند الطبراني في الأوسط‏.‏ وعن أبي سعيد قال العراقي‏:‏ رويناه في الطبوريات في انتخاب السلفي منها وفي إسناده حصين بن مخارق نسبه الدارقطني إلى الوضع وعن صحابي لم يسم عند أحمد في المسند‏.‏

والحديث يدل على أن ما لحق الفرائض من النقص كملته النوافل‏.‏ وأورده المصنف في حجج من قال بعدم الكفر لأن نقصان الفرائض أعم من أن يكون نقصًا في الذات وهو ترك بعضها أو في الصفة وهو عدم استيفاء أذكارها أو أركانها وجبرانها بالنوافل مشعر بأنها مقبولة مثاب عليها والكفر ينافي ذلك‏.‏

وقد عرفت الكلام على ذلك فيما سلف ثم أورد من الأدلة ما يعتضد به قول من لم يكفر تارك الصلاة وعقبه بتأويل لفظ الكفر الواقع في الأحاديث فقال‏:‏

3 - ويعضد هذا المذهب عمومات‏:‏ منها ما روي عن عبادة بن الصامت قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم من شهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله وأن عيسى عبد اللَّه وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه والجنة والنار حق أدخله اللَّه الجنة على ما كان من العمل‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

4 - وعن أنس بن مالك‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال ومعاذ رديفه على الرحل‏:‏ يا معاذ قال‏:‏ لبيك يا رسول اللَّه وسعديك ثلاثًا ثم قال‏:‏ ما من عبد يشهد أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدًا عبده ورسوله إلا حرمه اللَّه على النار قال‏:‏ يا رسول اللَّه أفلا أخبر بها الناس فيستبشروا قال‏:‏ إذن يتكلوا فأخبر بها معاذ عند موته تأثمًا أي خوفًا من الإثم بترك الخبر به‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

5 - وعن أبي هريرة قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ لكل نبي دعوة مستجابة فتعجل كل نبي دعوته وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة فهي نائلة إن شاء اللَّه من مات من أمتي لا يشرك باللَّه شيئًا‏)‏‏.‏

رواه مسلم‏.‏

6 - وعنه أيضًا‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ أسعد الناس بشفاعتي من قال لا إله إلا اللَّه خالصًا من قلبه‏)‏‏.‏

رواه البخاري‏.‏ وقد حملوا أحاديث التكفير على كفر النعمة أو على معنى قد قارب الكفر وقد جاءت أحاديث في غير الصلاة أريد بها ذلك‏.‏

7 - فروى ابن مسعود قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ سباب المسلم فسوق وقتاله كفر‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

8 - وعن أبي ذر أنه‏:‏ ‏(‏سمع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يقول‏:‏ ليس من رجل ادعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر ومن ادعى ما ليس له فليس منا وليتبوأ مقعده من النار‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

9 - وعن أبي هريرة قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ اثنتان في الناس هما بهم كفر الطعن في النسب والنياحة على الميت‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم‏.‏

10 - وعن ابن عمر قال‏:‏ ‏(‏كان عمر يحلف وأبي فنهاه النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم وقال‏:‏ من حلف بشيء دون اللَّه فقد أشرك‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏

11 - وعن ابن عباس قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ مدمن الخمر إن مات لقي اللَّه كعابد وثن‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏ انتهى كلام المصنف‏.‏

وأقول قد أطبق أئمة المسلمين من السلف والخلف والأشعرية والمعتزلة وغيرهم أن الأحاديث الواردة بأن من قال لا إله إلا اللَّه دخل الجنة مقيدة بعدم الإخلال بما أوجب اللَّه من سائر الفرائض وعدم فعل كبيرة من الكبائر التي لم يتب فاعلها عنها وأن مجرد الشهادة لا يكون موجبًا لدخول الجنة فلا يكون حجة على المطلوب ولكنهم اختلفوا في خلود من أخل بشيء من الواجبات أو قارف شيئًا من المحرمات في النار مع تكلمه بكلمة الشهادة وعدم التوبة عن ذلك فالمعتزلة جزموا بالخلود والأشعرية قالوا يعذب في النار ثم ينقل إلى الجنة‏.‏

وكذلك اختلفوا في دخوله تحت المشيئة فالأشعرية وغيرهم قالوا بدخوله تحتها والمعتزلة منعت من ذلك وقالوا لا يجوز على اللَّه المغفرة لفاعل الكبيرة مع عدم التوبة عنها‏.‏

وهذه المسائل محلها علم الكلام وإنما ذكرنا هذا للتعريف بإجماع المسلمين على أن هذه الأحاديث مقيدة بعدم المانع ولهذا أوَّلها السلف فحكي عن جماعة منهم ابن المسيب أن هذا كان قبل نزول الفرائض والأمر والنهي ورد بأن راوي بعض هذه الأحاديث أبو هريرة وهو متأخر الإسلام أسلم عام خيبر سنة سبع بالاتفاق وكانت إذ ذاك أحكام الشريعة مستقرة من الصلاة والزكاة والصيام والحج وغيرها‏.‏

وحكى النووي عن بعضهم أنه قال‏:‏ هي مجملة تحتاج إلى شرح ومعناه من قال الكلمة وأدى حقها وفريضتها قال‏:‏ وهذا قول الحسن البصري‏.‏

وقال البخاري‏:‏ إن ذلك لمن قالها عند الندم والتوبة ومات على ذلك ذكره في كتاب اللباس‏.‏ وذكر الشيخ أبو عمر بن الصلاح أنه يجوز أن يكون ذلك أعني الاقتصار على كلمة الشهادة في سببية دخول الجنة اقتصارًا من بعض الرواة لا من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم بدليل مجيئه تامًا في رواية غيره ويجوز أن يكون اختصارًا من الرسول صلى اللَّه عليه وآله وسلم فيما خاطب به الكفار عبدة الأوثان الذين كان توحيدهم باللَّه تعالى مصحوبًا بسائر ما يتوقف عليه الإسلام ومستلزمًا له والكافر إذا كان لا يقر بالوحدانية كالوثني والثنوي وقال لا إله إلا اللَّه وحاله الحال التي حكيناها حكم بإسلامه‏.‏

قال النووي‏:‏ ويمكن الجمع بين الأدلة بأن يقال المراد باستحقاقه الجنة أنه لا بد من دخولها لكل موحد إما معجلًا معافى وإما مؤخرًا بعد عقابه والمراد بتحريم النار تحريم الخلود‏.‏

وحكي ذلك عن القاضي عياض وقال‏:‏ إنه في نهاية الحسن ولا بد من المصير إلى التأويل لما ورد في نصوص الكتاب والسنة بذكر كثير من الواجبات الشرعية والتصريح بأن تركها موجب للنار‏.‏ وكذلك ورود النصوص بذكر كثير من المحرمات وتوعد فاعلها بالنار‏.‏

وأما الأحاديث التي أوردها المصنف في تأييد ما ذكره من التأويل فالنزاع في إطلاق الكفر على تارك الصلاة وقد عرفناك أن سبب الوقوع في مضيق التأويل توهم الملازمة بين الكفر وعدم المغفرة وليست بكلية كما عرفت وانتفاء كليتها يريحك من تأويل ما ورد في كثير من الأحاديث‏.‏ منها ما ذكره المصنف‏.‏ ومنها ما ثبت في الصحيح بلفظ‏:‏ ‏(‏لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض‏)‏ وحديث ‏(‏أيما عبد أبق من مواليه فقد كفر حتى يرجع إليهم‏)‏ وحديث ‏(‏أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر فأما من قال مطرنا بفضل اللَّه ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكواكب وأما من قال مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكواكب‏)‏ وحديث ‏(‏من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها‏)‏ وكل هذه الأحاديث في الصحيح‏.‏ وقد ورد من هذا الجنس أشياء كثيرة ونقول من سماه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم كافرًا سميناه كافرًا ولا نزيد على هذا المقدار ولا نتأول بشيء منها لعدم الملجئ إلى ذلك‏.‏

 باب أمر الصبي بالصلاة تمرينًا لا وجوبًا

1 - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ مروا صبيانكم بالصلاة لسبع سنين واضربوهم عليها لعشر سنين وفرقوا بينهم في المضاجع‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود‏.‏

الحديث أخرجه الحاكم من حديثه أيضًا والترمذي والدارقطني من حديث عبد الملك بن الربيع بن سبرة الجهني عن أبيه عن جده بنحوه ولم يذكر التفرقة‏.‏

وفي الباب عن أبي رافع عند البزار بلفظ قال‏:‏ ‏(‏وجدنا في صحيفة في قراب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم بعد وفاته فيها مكتوب بسم اللَّه الرحمن الرحيم وفرقوا بين الغلمان والجواري والأخوة والأخوات لسبع سنين واضربوا أبناءكم على الصلاة إذا بلغوا أظنه تسع سنين‏)‏‏.‏

وعن معاذ بن عبد اللَّه بن خبيب الجهني أنه قال لامرأته وفي رواية لامرأة‏:‏ ‏(‏متى يصلي الصبي فقالت‏:‏ كان رجل منا يذكر عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم أنه قال‏:‏ إذا عرف يمينه من شماله فمروه بالصلاة‏)‏ أخرجه أبو داود‏.‏ قال ابن القطان‏:‏ لا نعرف هذه المرأة ولا الرجل الذي روت عنه‏.‏ وقد رواه الطبراني من هذا الوجه فقال‏:‏ عن أبي معاذ بن عبد اللَّه بن خبيب عن أبيه به قال ابن صاعد‏:‏ إسناده حسن غريب‏.‏

وفي الباب عن أبي هريرة رواه العقيلي وأنس عند الطبراني بلفظ‏:‏ ‏(‏مروهم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لثلاث عشرة‏)‏ وفي إسناده داود بن المحبر وهو متروك وقد تفرد به‏.‏

والحديث يدل على وجوب أمر الصبيان بالصلاة إذا بلغوا سبع سنين وضربهم عليها إذا بلغوا عشرًا والتفريق بينهم في المضاجع لعشر سنين إذا جعل التفريق معطوفًا على قوله واضربوهم أو لسبع سنين إذا جعل معطوفًا على قوله مروهم‏.‏ ويؤيد هذا الوجه حديث أبي رافع المذكور‏.‏

وقد ذهبت الهادوية إلى وجوب إجبار ابن العشر على الولي وشرط الصلاة الذي لا تتم إلا به حكمه حكمها ولا فرق بين الذكر والأنثى والزوجة وغيرها‏.‏

وقال في الوافي والمؤيد باللَّه في أحد قوليه‏:‏ إن ذلك مستحب فقط وحملوا الأمر على الندب ولكنه إن صح ذلك في قوله مروهم لم يصح في قوله واضربوهم لأن الضرب إيلام للغير وهو لا يباح للأمر المندوب والاعتراض بأن عدم تكليف الصبي يمنع من حمل الأمر على حقيقته لأن الإخبار إنما يكون على فعل واجب أو ترك محرم وليست الصلاة بواجبة على الصبي ولا تركها محظور عليه مدفوع بأن ذلك إنما يلزم لو اتحد المحل وهو هنا مختلف فإن محل الوجوب الولي ومحل عدمه ابن العشر ولا يلزم من عدم الوجوب على الصغير عدمه على الولي‏.‏

2 - وعن عائشة رضي اللَّه عنها‏:‏ ‏(‏عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ وعن الصبي حتى يحتلم وعن المجنون حتى يعقل‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومثله من رواية علي له ولأبي داود والترمذي وقال‏:‏ حديث حسن‏.‏

الحديث أخرجه أيضًا النسائي وأبو داود وابن ماجه وابن حبان والحاكم من حديث عائشة‏.‏ قال يحيى بن معين‏:‏ ليس يرويه إلا حماد بن سلمة عن حماد بن أبي سليمان يعني عن إبراهيم عن الأسود عنها‏.‏ وأخرجه أيضًا النسائي والدارقطني والحاكم وابن حبان وابن خزيمة من حديث علي عليه السلام‏.‏ قال البيهقي‏:‏ تفرد برفعه جرير بن حازم قال الدارقطني في العلل‏:‏ وتفرد به عن جرير عبد اللَّه بن وهب وخالفه ابن فضيل ووكيع فروياه عن الأعمش موقوفًا ورواه عطاء بن السائب عن أبي ظبيان عن علي عليه السلام وعمر مرفوعًا‏.‏ قال الحافظ‏:‏ وقول ابن فضيل ووكيع أشبه بالصواب‏.‏

ورواه أبو داود من حديث أبي الضحى عن علي عليه السلام ولكن قال أبو زرعة‏:‏ حديثه عن علي مرسل‏.‏

ورواه ابن ماجه من حديث القاسم بن يزيد عن علي عليه السلام وهو مرسل أيضًا كما قال أبو زرعة‏.‏ ورواه الترمذي من حديث الحسن البصري عن علي قال أبو زرعة‏:‏ لم يسمع الحسن من علي شيئًا‏.‏ وروى الطبراني من طريق برد بن سنان عن مكحول عن أبي إدريس الخولاني قال‏:‏ أخبرني غير واحد من أصحاب النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم ثوبان ومالك بن شداد وغيرهما فذكر نحوه‏.‏ قال الحافظ‏:‏ وفي إسناده مقال وبرد مختلف فيه‏.‏ وروى أيضًا من طريق مجاهد عن ابن عباس قال‏:‏ وإسناده ضعيف‏.‏

والحديث يدل على عدم تكليف الصبي والمجنون والنائم ما داموا متصفين بتلك الأوصاف‏.‏ قال ابن حجر في التلخيص حاكيًا عن ابن حبان‏:‏ إن الرفع مجاز عن عدم التكليف لأنه يكتب له فعل الخير انتهى‏.‏ وهذا في الصبي ظاهر وأما في المجنون فلا تتصف أفعاله بخير ولا شر إذ لا قصد له والموجود منه من صور الأفعال لا حكم له شرعًا وأما في النائم ففيه بعد لأن قصده منتف أيضًا فلا حكم لما صدر منه من الأفعال حال نومه‏.‏ وللناس كلام في تكليف الصبي بجميع الأحكام أو ببعضها ليس هذا محل بسطه وكذلك النائم‏.‏

 باب أن الكافر إذا أسلم لم يقض الصلاة

1 - عن عمرو بن العاص‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ الإسلام يجب ما قبله‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏

الحديث أخرجه أيضًا الطبراني والبيهقي من حديثه وابن سعد من حديث جبير بن مطعم‏:‏ وأخرج مسلم في صحيحه معناه من حديث عمر وأيضًا بلفظ‏:‏ ‏(‏أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها وأن الحج يهدم ما كان قبله‏)‏ وفي صحيح مسلم أيضًا من حديث عبد اللَّه بن مسعود قال‏:‏ ‏(‏قلنا يا رسول اللَّه أنؤاخذ بما عملنا في الجاهلية قال‏:‏ من أحسن في الإسلام لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية ومن أساء في الإسلام أوخذ بالأول والآخر‏)‏ فهذا مقيد والحديث الأول مطلق وحمل المطلق على المقيد واجب فهدم الإسلام ما كان قبله مشروط بالإحسان‏.‏

قوله ‏(‏يجب ما قبله‏)‏ أي يقطعه والمراد أنه يذهب أثر المعاصي التي قارفها حال كفره وأما الطاعات التي أسلفها قبل إسلامه فلا يجبها لحديث حكيم بن حزام عند مسلم وغيره‏:‏ ‏(‏أنه قال لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ أرأيت أمورًا كنت أثخنت بها في الجاهلية هل لي فيها من شيء فقال له رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ أسلمت على ما أسلفت من خير‏)‏‏.‏

وقد قال المازري‏:‏ إنه لا يصح تقرب الكافر فلا يثاب على العمل الصالح الصادر منه حال شركه لأن من شرط المتقرب أن يكون عارفًا بمن تقرب إليه والكافر ليس كذلك وتابعه القاضي عياض على تقرير هذا الإشكال‏.‏

قال في الفتح‏:‏ واستضعف ذلك النووي فقال‏:‏ الصواب الذي عليه المحققون بل نقل بعضهم الإجماع فيه أن الكافر إذا فعل أفعالًا جميلة كالصدقة وصلة الرحم ثم أسلم ومات على الإسلام أن ثواب ذلك يكتب له‏.‏

 أبواب المواقيت

المواقيت جمع ميقات وهو القدر المحدود للفعل من الزمان والمكان

 باب وقت الظهر

1 - عن جابر بن عبد اللَّه‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم جاءه جبريل عليه السلام فقال له‏:‏ قم فصله فصلى الظهر حين زالت الشمس ثم جاءه العصر فقال‏:‏ قم فصله فصلى العصر حين صار ظل كل شيء مثله ثم جاءه المغرب فقال‏:‏ قم فصله فصلى المغرب حين وجبت الشمس ثم جاءه العشاء فقال‏:‏ قم فصله فصلى العشاء حين غاب الشفق ثم جاءه الفجر فقال‏:‏ قم فصله فصلى الفجر حين برق الفجر أو قال سطع الفجر ثم جاءه من الغد للظهر فقال‏:‏ قم فصله فصلى الظهر حين صار ظل كل شيء مثله ثم جاءه العصر فقال‏:‏ قم فصله فصلى العصر حين صار ظل كل شيء مثليه ثم جاءه المغرب وقتًا واحدًا لم يزل عنه ثم جاءه العشاء حين ذهب نصف الليل أو قال ثلث الليل فصلى العشاء ثم جاء حين أسفر جدًا فقال‏:‏ قم فصله فصلى الفجر ثم قال‏:‏ ما بين هذين الوقتين وقت‏)‏‏.‏

رواه أحمد والنسائي والترمذي بنحوه‏.‏ وقال البخاري‏:‏ هو أصح شيء في المواقيت‏.‏

2 - وللترمذي عن ابن عباس‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ أمني جبريل عليه السلام عند البيت مرتين‏)‏ فذكر نحو حديث جابر إلا أنه قال فيه‏:‏ ‏(‏وصلى المرة الثانية حين صار ظل كل شيء مثله لوقت العصر بالأمس‏)‏ وقال فيه‏:‏ ‏(‏ثم صلى العشاء الآخرة حين ذهب ثلث الليل‏)‏ وفيه‏:‏ ‏(‏ثم قال يا محمد هذا وقت الأنبياء من قبلك والوقت فيما بين هذين الوقتين‏)‏‏.‏

قال الترمذي‏:‏ هذا حديث حسن‏.‏

أما حديث جابر فأخرجه أيضًا ابن حبان والحاكم وروى الترمذي في سننه عن البخاري أنه أصح شيء في الباب كما قال المصنف رحمه اللَّه‏.‏

وأما حديث ابن عباس فأخرجه أيضًا أحمد وأبو داود وابن خزيمة والدارقطني والحاكم وفي إسناده ثلاثة مختلف فيهم أولهم عبد الرحمن بن أبي الزناد كان ابن مهدي لا يحدث عنه‏.‏ وقال أحمد‏:‏ مضطرب الحديث وقال النسائي‏:‏ ضعيف وقال يحيى بن معين وأبو حاتم‏:‏ لا يحتج به وقال الشافعي‏:‏ ضعيف وما حدث بالمدينة أصح مما حدث ببغداد وقال ابن عدي‏:‏ بعض ما يرويه لا يتابع عليه وقد وثقه مالك واستشهد البخاري بحديثه عن موسى بن عقبة في باب التطوع بعد المكتوبة وفي حديث ‏(‏لا تمنوا لقاء العدو‏)‏‏.‏

والثاني شيخه عبد الرحمن بن الحارث بن عبد اللَّه بن عياش ابن أبي ربيعة قال أحمد‏:‏ متروك الحديث‏.‏ وقال ابن نمير‏:‏ لا أقدم على ترك حديثه وقال فيه ابن معين‏:‏ صالح وقال أبو حاتم‏:‏ شيخ وقال ابن سعد‏:‏ ثقة وقال ابن حبان‏:‏ كان من أهل العلم ولكنه قد توبع في هذا الحديث فأخرجه عبد الرزاق عن العمري عن عمر بن نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه عن ابن عباس بنحوه‏.‏ قال ابن دقيق العيد‏:‏ هي متابعة حسنة‏.‏

والثالث حكيم بن حكيم وهو ابن عباد بن حنيف قال ابن سعد‏:‏ كان قليل الحديث ولا يحتجون بحديثه‏.‏

وحديث ابن عباس هذا قد صححه ابن عبد البر وأبو بكر ابن العربي قال ابن عبد البر‏:‏ إن الكلام في إسناده لا وجه له وأخرجه من طريق سفيان عن عبد الرحمن بن الحارث بن عياش فسلمت طريقه من التضعيف بعبد الرحمن بن أبي الزناد‏.‏ وكذلك أخرجه من هذا الوجه أبو داود وابن خزيمة قال أبو عمر‏:‏ وذكره عبد الرزاق عن عمر بن نافع وابن أبي سبرة عن عبد الرحمن بن الحارث بإسناده وذكره أيضًا عن عمر بن نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه عن ابن عباس‏.‏

وفي الباب عن أبي هريرة عند الترمذي والنسائي بإسناد حسن وصححه ابن السكن والحاكم وحسنه الترمذي ولكن فيه‏:‏ ‏(‏إن للمغرب وقتين‏)‏ ونقل عن البخاري أنه خطأ‏.‏ ورواه الحاكم من طريق أخرى وقال‏:‏ صحيح الإسناد‏.‏ وعن بريدة عند الترمذي أيضًا وصححه‏.‏ وعن أبي موسى عند مسلم وأبي داود والنسائي وأبي عوانة وأبي نعيم قال الترمذي في كتاب العلل‏:‏ إنه حسنه البخاري‏.‏ وعن أبي مسعود عند مالك في الموطأ وإسحاق بن راهويه والبيهقي في الدلائل وأصله في الصحيحين من غير تفصيل وفصله أبو داود‏.‏ وعن أبي سعيد الخدري عند أحمد في مسنده والطحاوي وعن عمرو بن حزم رواه إسحاق بن راهويه‏.‏

وعن البراء ذكره ابن أبي خيثمة‏.‏ وعن أنس عند الدارقطني وابن السكن في صحيحه والإسماعيلي في معجمه وأشار إليه الترمذي ورواه عنه النسائي بنحوه وأبو أحمد الحاكم في الكنى‏.‏ وعن ابن عمر عند الدارقطني قال الحافظ‏:‏ بإسناد حسن لكن فيه عنعنة ابن إسحاق‏.‏ ورواه ابن حبان في الضعفاء من طريق أخرى فيها محبوب بن الجهم وهو ضعيف‏.‏ وعن مجمع بن جارية عند الحاكم‏.‏

قوله في الحديث ‏(‏قم فصله‏)‏ الهاء هاء السكت‏.‏

قوله ‏(‏حين وجبت الشمس‏)‏ الوجوب السقوط والمراد سقوطها للغروب‏.‏

وقوله ‏(‏زالت الشمس‏)‏ أي مالت إلى جهة الغرب‏.‏

وقوله ‏(‏حين صار كل شيء مثله‏)‏ الظل الستر ومنه قولهم أنا في ظلك وظل الليل سواده لأنه يستر كل شيء وظل الشمس ما ستر به الشخوص من مسقطها‏.‏

قال ابن عبد البر‏:‏ وكانت إمامة جبريل بالنبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم في اليوم الذي يلي ليلة الإسراء وأول صلاة أديت كذلك الظهر على المشهور قيل الصحيح كما ثبت من حديث ابن عباس عند الدارقطني‏.‏

قال الحافظ‏:‏ والصحيح خلافه وذكر ابن أبي خيثمة عن الحسن أنه ذكر له أنه لما كان عند صلاة الظهر نودي أن الصلاة جامعة ففزع الناس فاجتمعوا إلى نبيهم فصلى بهم الظهر أربع ركعات يؤم جبريل محمد أو يؤم محمد الناس لا يسمعهم فيهن قراءة‏.‏

وذكر عبد الرزاق عن ابن جريج قال‏:‏ قال نافع بن جبير وغيره‏:‏ لما أصبح النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم من الليلة التي أسري به فيها لم يرعه إلا جبريل نزل حين زاغت الشمس ولذلك سميت الأولى فأمر فصيح بأصحابه الصلاة جامعة فاجتمعوا فصلى جبريل بالنبي وصلى النبي بالناس وطول الركعتين الأوليتين ثم قصر الباقيتين‏.‏

وسيأتي للمصنف وغيره في شرح حديث أبي موسى أن صلاة جبريل كانت بمكة مقتصرين على ذلك‏.‏

قال الحربي‏:‏ إن الصلاة قبل الإسراء كانت صلاة قبل الغروب وصلاة قبل طلوع الشمس‏.‏ وقال أبو عمر‏:‏ قال جماعة من أهل العلم إن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم لم يكن عليه صلاة مفروضة قبل الإسراء إلا ما كان أمر به من صلاة الليل على نحو قيام رمضان من غير توقيت ولا تحديد ركعات معلومات ولا لوقت محصور‏.‏ وكان صلى اللَّه عليه وآله وسلم يقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وقامه معه المسلمون نحوًا من حول حتى شق عليهم ذلك فأنزل اللَّه التوبة عنهم والتخفيف في ذلك ونسخه وحطه فضلًا منه ورحمة فلم يبق في الصلاة فريضة إلا الخمس‏.‏

والحديث يدل على أن للصلوات وقتين وقتين إلا المغرب وسيأتي الكلام على ذلك‏.‏ وعلى أن الصلاة لها أوقات مخصوصة لا تجزئ قبلها بالإجماع وعلى أن ابتداء وقت الظهر الزوال ولا خلاف في ذلك يعتد به وآخره مصير ظل الشيء مثله‏.‏ واختلف العلماء هل يخرج وقت الظهر بمصير ظل الشيء مثله أم لا فذهب الهادي ومالك وطائفة من العلماء أنه يدخل وقت العصر ولا يخرج وقت الظهر وقالوا يبقى بعد ذلك قدر أربع ركعات صالحًا للظهر والعصر أداء‏.‏

قال النووي في شرح مسلم‏:‏ واحتجوا بقوله صلى اللَّه عليه وسلم ‏(‏فصلى بي الظهر في اليوم الثاني حين صار ظل كل شيء مثله وصلى العصر في اليوم الأول حين صار ظل كل شيء مثله‏)‏ وظاهره اشتراكهما في قدر أربع ركعات قال‏:‏ وذهب الشافعي والأكثرون إلى أنه لا اشتراك بين وقت الظهر ووقت العصر بل متى خرج وقت الظهر بمصير ظل كل شيء مثله غير الظل الذي يكون عند الزوال دخل وقت العصر وإذا دخل وقت العصر لم يبق شيء من وقت الظهر‏.‏ واحتجوا بحديث ابن عمرو بن العاص عند مسلم مرفوعًا بلفظ‏:‏ ‏(‏وقت الظهر إذا زالت الشمس وكان ظل الرجل كطوله ما لم يحضر العصر‏)‏ الحديث قال‏:‏ وأجابوا عن حديث جبريل بأن معناه فرغ من الظهر حين صار ظل كل شيء مثله وشرع في العصر في اليوم الأول حين صار ظل كل شيء مثله فلا اشتراك بينهما قال‏:‏ وهذا التأويل متعين للجمع بين الأحاديث ولأنه إذا حمل على الاشتراك يكون آخر وقت الظهر مجهولًا لأنه إذا ابتدأ بها حين صار ظل كل شيء مثله لم يعلم متى فرغ منها وحينئذ لا يحصل بيان حدود الأوقات وإذا حمل على ذلك التأويل حصل معرفة آخر الوقت فانتظمت الأحاديث على اتفاق‏.‏ ويؤيد هذا أن إثبات ما عدا الأوقات الخمسة دعوى مفتقرة إلى دليل خالص عن شوائب المعارضة فالتوقف على المتيقن هو الواجب حتى يقوم ما يلجئ إلى المصير إلى الزيادة عليها‏.‏

وفي الحديث أيضًا ذكر بقية أوقات الصلوات وسيعقد المصنف لكل واحد منها بابًا وسنتكلم على كل واحد منها في بابه إن شاء اللَّه تعالى‏.‏

 باب تعجيلها وتأخيرها في شدة الحر

1 - عن جابر بن سمرة قال‏:‏ ‏(‏كان النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم يصلي الظهر إذا دحضت الشمس‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم وابن ماجه وأبو داود‏.‏

وفي الباب أيضًا عن أنس عند البخاري ومسلم والنسائي والترمذي وقال‏:‏ صحيح وعن خباب عند الشيخين وعن أبي بزرة عندهما أيضًا‏.‏ وعن ابن مسعود عند ابن ماجه وفيه زيد بن جبيرة قال أبو حاتم‏:‏ ضعيف وقال البخاري‏:‏ منكر الحديث‏.‏ وعن زيد بن ثابت أشار إليه الترمذي‏.‏ وعن أم سلمة عند الترمذي أيضًا‏.‏

قوله ‏(‏دحضت الشمس‏)‏ هو بفتح الدال والحاء المهملتين وبعدها ضاد معجمة أي زالت‏.‏

والحديث يدل على استحباب تقديمها وإليه ذهب الهادي والقاسم والشافعي والجمهور للأحاديث الواردة في أفضلية أول الوقت وقد خصه الجمهور بما عدا أيام شدة الحر وقالوا يستحب الإبراد فيها إلى أن يبرد الوقت وينكسر الوهج وسيأتي تحقيق ذلك‏.‏

2 - وعن أنس قال‏:‏ ‏(‏كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يصلي الظهر في أيام الشتاء وما ندري أما ذهب من النهار أكثر أو ما بقي منه‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏

3 - وعن أنس بن مالك قال‏:‏ ‏(‏كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم إذا كان الحر أبرد بالصلاة وإذا كان البرد عجل‏)‏‏.‏

رواه النسائي‏.‏ وللبخاري نحوه‏.‏

4 - وعن أبي هريرة قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم‏:‏ إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم‏)‏‏.‏

رواه الجماعة‏.‏

حديث أنس الأول أخرجه أيضًا عبد الرزاق وفي الباب عن ابن عمر عند البخاري وابن ماجه وعن أبي موسى عند النسائي وعن عائشة عند ابن خزيمة وعن المغيرة عند أحمد وابن ماجه وابن حبان وفي رواية للخلال ‏(‏وكان آخر الأمرين من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم الإبراد‏)‏ وعن أبي سعيد عند البخاري وعن عمرو بن عبسة عند الطبراني وعن صفوان عند ابن أبي شيبة والحاكم والبغوي وعن ابن عباس عند البزار وفيه عمرو بن صهبان وهو ضعيف وعن عبد الرحمن بن جارية عند الطبراني وعن عبد الرحمن بن علقمة عند أبي نعيم‏.‏

قوله ‏(‏فأبردوا بالصلاة‏)‏ أي أخروها عن ذلك الوقت وادخلوا بها في وقت الإبراد وهو الزمان الذي يتبين فيه انكسار شدة الحر ويوجد فيه برودة جهنم يقال أبرد الرجل أي صار في برد النهار‏.‏ وفيح جهنم شدة حرها وشدة غليانها‏.‏ قال القاضي عياض‏:‏ اختلف العلماء في معناه فقال بعضهم هو على ظاهره وقيل بل هو على وجه التشبيه والاستعارة وتقديره أن شدة الحر تشبه نار جهنم فاحذروه واجتنبوا ضرره قال‏:‏ والأول أظهر‏.‏ وقال النووي‏:‏ هو الصواب لأنه ظاهر الحديث ولا مانع من حمله على حقيقته فوجب الحكم بأنه على ظاهره انتهى‏.‏

ويدل عليه حديث ‏(‏أن النار اشتكت إلى ربها فأذن لها بنفسين نفس في الشتاء ونفس في الصيف‏)‏ وهو في الصحيح وحديث ‏(‏إن لجهنم نفسين‏)‏ وهو كذلك‏.‏

والأحاديث تدل على مشروعية الإبراد والأمر محمول على الاستحباب وقيل على الوجوب حكى ذلك القاضي عياض وهو المعنى الحقيقي له‏.‏ وذهب إلى الأول جماهير العلماء لكنهم خصوا ذلك بأيام شدة الحر كما يشعر بذلك التعليل بقوله ‏(‏فإن شدة الحر من فيح جهنم‏)‏ ولحديث أنس المذكور في الباب‏.‏

وظاهر الأحاديث عدم الفرق بين الجماعة والمنفرد‏.‏ وقال أكثر المالكية‏:‏ الأفضل للمنفرد التعجيل والحق عدم الفرق لأن التأذي بالحر الذي يتسبب عنه ذهاب الخشوع يستوي فيه المنفرد وغيره‏.‏ وخصه الشافعي بالبلد الحار وقيد الجماعة بما إذا كانوا ينتابون المسجد من مكان بعيد لا إذا كانوا مجتمعين أو كانوا يمشون في ظل فالأفضل التعجيل‏.‏

وظاهر الأحاديث عدم الفرق وقد ذهب إلى الأخذ بهذا الظاهر أحمد وإسحاق والكوفيون وابن المنذر ولكن التعليل بقوله ‏(‏فإن شدة الحر‏)‏ يدل على ما ذكره من التقييد بالبلد الحار‏.‏

وذهب الهادي والقاسم وغيرهما إلى أن تعجيل الظهر أفضل مطلقًا وتمسكوا بحديث جابر بن سمرة المذكور في أول الباب وسائر الروايات المذكورة هنالك وبأحاديث أفضلية أول الوقت على العموم كحديث أبي ذر عند البخاري ومسلم وغيرهما قال‏:‏ ‏(‏سألت النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ أي العمل أحب إلى اللَّه قال‏:‏ الصلاة على وقتها‏)‏ وبحديث خباب عند مسلم قال‏:‏ ‏(‏شكونا إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم حر الرمضاء في جباهنا وأكفنا فلم يشكنا أي لم يعذرنا ولم يزل شكوانا‏)‏ وزاد ابن المنذر والبيهقي‏:‏ ‏(‏وقال‏:‏ إذا زالت الشمس فصلوا‏)‏ وتأولوا حديث الإبراد بأن معناه صلوا أول الوقت أخذًا من برد النهار وهو أوله وهو تعسف يرده قوله ‏(‏فإن شدة الحر من فيح جهنم‏)‏ وقوله ‏(‏فإذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة‏)‏ ويجاب عن ذلك بأن الأحاديث الواردة بتعجيل الظهر وأفضلية أول الوقت عامة أو مطلقة وحديث الإبراد خاص أو مقيد ولا تعارض بين عام وخاص ولا بين مطلق ومقيد‏.‏ وأجيب عن حديث خباب بأنه كما قال الأثرم والطحاوي‏:‏ منسوخ قال الطحاوي‏:‏ ويدل عليه حديث المغيرة ‏(‏كنا نصلي بالهاجرة فقال لنا أبردوا‏)‏ فبين أن الإبراد كان بعد التهجير وقال آخرون‏:‏ إن حديث خباب محمول على أنهم طلبوا تأخيرًا زائدًا على قدر الإبراد لأن الإبراد أن يؤخر بحيث يصير للحيطان فيء يمشون فيه ويتناقص الحر‏.‏

وحمل بعضهم حديث الإبراد على ما إذا صار الظل فيئًا وحديث خباب على ما إذا كان الحصى لم يبرد لأنه لا يبرد حتى تصفر الشمس فلذلك رخص في الإبراد ولم يرخص في التأخير إلى خروج الوقت وعلى فرض عدم إمكان الجمع فرواية الخلال السابقة عن المغيرة بلفظ‏:‏ ‏(‏كان آخر الأمرين من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم الإبراد‏)‏ وقد صحح أبو حاتم وأحمد حديث المغيرة وعده البخاري محفوظًا من أعظم الأدلة الدالة على النسخ كما قاله من قدمنا ولو نسلم جهل التاريخ وعدم معرفة المتأخر لكانت أحاديث الإبراد أرجح لأنها في الصحيحين بل في جميع الأمهات بطرق متعددة وحديث خباب في مسلم فقط ولا شك أن المتفق عليه مقدم وكذا ما جاء من طرق‏.‏

5 - وعن أبي ذر قال‏:‏ ‏(‏كنا مع النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم في سفر فأراد المؤذن أن يؤذن للظهر فقال النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ أبرد ثم أراد أن يؤذن فقال له‏:‏ أبرد حتى رأينا فيء التلول فقال النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ إن شدة الحر من فيح جهنم فإذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

قوله ‏(‏فيء التلول‏)‏ قال ابن سيده‏:‏ الفيء ما كان شمسًا فنسخه الظل والجمع أفياء وفيوء وفاء الفيء فيئًا تحول وتفيأ فيه تظلل‏.‏ قال ابن قتيبة‏:‏ يتوهم الناس أن الظل والفيء بمعنى وليس كذلك بل الظل يكون غدوة وعشية ومن أول النهار إلى آخره وأما الفيء فلا يكون إلا بعد الزوال ولا يقال لما قبل الزوال وإنما قيل لما بعد الزوال فيء لأنه ظل فاء من جانب إلى جانب أي رجع والفيء الرجوع ونسبه النووي في شرح مسلم إلى أهل اللغة‏.‏

‏(‏والتلول‏)‏ جمع تل وهو الربوة من التراب المجتمع والمراد أنه أخر تأخيرًا كثيرًا حتى صار للتلول فيء وهي منبطحة لا يصير لها فيء في العادة إلا بعد زوال الشمس بكثير‏.‏

الحديث يدل على مشروعية الإبراد وقد تقدم الكلام عليه مستوفى‏.‏ قال المصنف رحمه اللَّه‏:‏ وفيه دليل على أن الإبراد أولى وإن لم ينتابوا المسجد من بعد لأنه أمر به مع اجتماعهم معه انتهى‏.‏ أشار رحمه اللَّه بهذا إلى رد ما قاله الشافعي وقد قدمنا حكاية ذلك عنه‏.‏